الخميس، 2 مايو 2013

ـ ثورات الأندلس ضد المرابطين

ـ ثورات الأندلس ضد المرابطين: إن الأحداث و الثورات التي جرت في المغرب بقيادة ابن تومرت، ثم عبد المؤمن بن علي، كان لها انعكاساتها على بلاد الأندلس، وكانت حافزا مشجعا على قيام الثورات الأندلسية ضد المرابطين. وعلى الرغم من سيطرة المرابطين على كامل القواعد الأندلسية، إلا أن هذا لم يمنع من قيام الثورات ضدهم من غرب الأندلس إلى شرقه، وبالنسبة لأسباب هذه الثورات، فرغم تزامنها مع ثورة الموحدين في المغرب إلا أن عوامل قيامها تختلف عنها. فلقد كان الأندلسيون منذ بداية الحكم المرابطي لهم، يخفون رفضهم لهم، وما ثورة قرطبة سنة515ه (1121م) إلا تعبيرا عن ذلك الرفض، فالأندلسيون عُرف عنهم الاستقلال، والبذخ ،والترف، في الحياة في حين أن المرابطين عُرفوا بتشددهم الديني، وكثرة عطفهم على النصارى المعاهدين. فلقد أدت الثورات التي قامت في الأندلس في تهيئة الأجواء، وعاملا مساعدا للموحدين للقضاء على المرابطين في المغرب و في الأندلس، ومن أهم الثورات التي كان لها صدى واسع ثورة المريدين في الغرب، وثورة القضاة في الوسط، والثورة في الشرق. ـ 1ـ الثورة في الجنوب الغربي: في الوقت الذي بدأ الضعف يظهر في الدولة المرابطية على يد الموحدين، قامت جماعة من المتصوفة يطلق عليهم "المريدون"، بزعامة أبو القاسم أحمد بن الحسين بن قسي، وفي واقع الأمر أن هذا الرجل اتخذ الصوفية قناعا، فالحقيقة أنه كان يطمح إلى مطامع سياسية، ويبدو أن ابن قسي كان متأثرا إلى حد كبير بمهدي الموحدين فادعى هو الآخر الهداية وتسمى بالمهدي، فتتابع الناس إليه وكثر مريدوه وأنصار، والمعجبين به، حتى من سادة الـقوم وقادة الجند أمـثال أبو الوليد بن المنذر ومحمد سيدراء ابن وزير. لما شعر ابن قسي أن السلطات المرابطية فطنت إلى ما يرمي إليه توجه إلى جهة مرتلة، واختفى عند قوم يعرفون ببني السنة، وهناك أوعز إلى أحد المقربين إليه يدعى محمد بن يحي الشلطيشي( ابن القايلة)، بأن يسير في صحبة المريدين إلى قلعة مرتلة ليداهموها وفق خطة رسمها لهم في أوائل عام 539ه(1144م)، خاصة وأن هذا الإقليم النائي قد غلب عليه الضعف والوهن. تمكن ابن محمد بن يحي في صحبة سبعين رجلا من المريدين المتعصبين من الإستلاء على مارتلة وحصنها، وأعلن دعوة ابن قسي ولم ينجح المرابطون من استردادها فتركوها؛ فدخلها ابن قسي في جمع غفير من المريدين شعارهم التهليل والتكبير، واستقروا في قصرها، وتسمى بالإمام، وبعث إلى أعيان ولاية الغرب يدعوهم إلى الانضمام إلى ثورته لتحرير الأندلس من المرابطين، فاستجاب له كثير من أهل تلك النواحي، ثم سار ابن المنذر وقومه إلى حصن مرجيق شرق شلب فانتزعه من المرابطين فخاف المرابطون في باجة فغادروها إلى اشبيلية وعلى أثرهم سار إليـها ابن المنذر. تضاعفت جموع ابن قسي فتملكه الغرور وقرر السير إلى اشبيلية، فاستولى في طريقه على عدة حصون القصر، طلياطة ، من أعمال اشبيلية، وانضم جمع غفير إلى الجيش الثائر وكان عددهم يزداد يوما بعد يوم. في الوقت نفسه كان أمير المسلمين أبو زكريا ابن غانية قد غادر قرطبة متجها صوب اشبيلية بطائفة من الجند، وحينما وصلها وجد ابن المنذر يعبث في نواحيها، فبعث له بقوة مرابطية هزمته وقتلت عددا من المريدين وفرّ ابن المنذر إلى شلب وطارد بقية الفلول، وكان بإمكانه القضاء على ثورة المريدين لولا الأنباء التي وصلته من قرطبة بقيام ابن حمدين بالثورة في قرطبة، وقد دعى للإمام ابن قسي غير أن أهل قرطبة تراجعوا عنه، واستدعوا سيف الدولة ابن هود ليكون أميرا عليهم، ما جعل آمال ابن قسي تتحطم، ازداد سوء الحظ عندما نشب بينه وبين تابعه سيدار بن وزير "أمير باجة" فأرسل إلى المنذر أمير شلب ليحاربه، انتهى القتال بينهما لهزيمة المنذر ما جعل ابن وزير يزيد في طغيانه فانتزع مارتلة من ابن قسي الذي فر ناجيا بحياته، حيث عبر البحر واتصل بعبد المؤمن بن علي وغفر له لما صدر منه من ادعاء للإمامة والمهدية، وهكذا انتهت ثورة المريدين، التي مهدت الطريق للموحدين. ـ2 ـ الثورة في الوسط: (ثورة القضاة في قرطبة) نتيجة للضربات التي تلقاها المرابطون في المغرب، ثم في الغرب الأندلسي، بدأت الأحداث في التسارع، إذ أنه بمجرد خروج أمير المسلمين ابن غانبة من قرطبة لمحاربة المريدين في اشبيلية اشتعلت الثورة في قرطبة، فقد ثار العامة على الوالي المرابطي ابن عمر اللمتوني بقيادة القاضي ابن حمدين، فبايعه العامة والخاصة في المسجد الجامع في الخامس من شهر رمضان 539ه (1144م) فاستقر بالقصر وتسمى بأمير المسلمين وناصر الدين (وعند ابن الابار بأمير المسلمين المنصور بالله). وكان أهل قرطبة منقسمين على أنفسهم فمنهم المؤيد الحكم ابن غانية، ومنهم الموالي لابن حمدين، ومجموعة أخرى كانت تابعة للمريدين، ما جعل الأمور تتفاقم فلم يبق ابن حمدين في الحكم إلا أربعة عشر يوما ، حيث سعى فريق من القرطبيين بالاتصال بابن جعفر ابن هود الملقب بسيف الدولة، فدخلها في احتفال رائع بينما ابن حمدين فرّ نحو شمال غرب قرطبة وتحصن بحصن يقال له فرنجولش. لم يمر إلا اثني عشر يوما على حكم سيف الدولة لقرطبة حتى انقلب أهلها عليه، وهاجم مجموعة منهم قصر الإمارة وقتلوا وزيره ابن الشماخ، وعدد كبير من أصحابه، ففر سيف الدولة ناجيا بنفسه متجها نحو جيان، ولاشك أن لابن حمدين يد في اثارة الفتنة على سيف الدولة؛ كما أن المريدين كانوا يتحيّنون الفرصة للإنقظاظ على قرطبة، لكن قوات ابن حمدين كانت أسرع في الوصول إليها. استطاع ابن حمدين أن يحكم مرة أخرى قرطبة، وبمعاونة أصحابه بسط نفوذه على رندة، والأراك، شربيش، شدونة مُرسية. أما في غرناطة التي كانت لانزال أهم مدينة باقية تحت حكم المرابطين، فقد اشتعلت فيها نيران الثورة هي الأخرى، بتحريض من شيعة ابن حمدين مستغلين انشغال القوات المرابطية بقيادة ابن غائية إخماد الثورة في الغرب، وكانت غرناطة تشهد صراعات دموية بين الأحزاب المتناحرة عليها، ولم تستطع القوات المرابطية الباقية فيها أن تصمد في وجه المتشاجرين فتحصنت بالقصبة، فدخلها سيف الدولة لكنه لم يبق فيها إلا شهرا، بعد أن تيقن من عقم مهاجمة المرابطين في حصن القصبة؛ فتصالح أهل غرناطة مع المرابطين. أما في قرطبة فقد عاد إليها ابن غانبة بعد أن حكمها ابن حمدين إحدى عشر شهرا حيث التقى الطرفان في جمادى الثانية 540ه (1154م) جنوب غرب قرطبة انهزم فيها ابن حمدين وفرّ إلى بطليوس وكان عليها أحد زعماء المريدين. ثم لجأ ابن حمدين إلى اندوحر الواقع شرق قرطبة فقاتله ابن غانبة ما جعل الأول يلجأ إلى تلك الوسيلة الذميمة التي كان يقوم بها ملوك الطوائف وهي الاستعانة بالنصارى، حيث طلب المساعدة من القيصر ألفونسو ريدمونديس ملك قشتالة. توجه الملك القشتالي صحبة جيش كبير إلى ابن حمدين فخلّصه من حصار ابن غانية ودخلا قرطبة في 20 ذي الحجة 540ه (20 ماي 1145م)، اعتصم ابن غانية بقصبتها يدافع النصارى الذين عاثوا فسادا في شرق قرطبة؛ في هذا التوقيت وصلت إلى ألفونسو القشتالي جواز الموحدين إلى الأندلس، فوجد من مصلحته الإبقاء على ابن غانية في قرطبة ليكون حاجزا منيعا بينه وبين الموحدين، فبقي فيها نحو عام بينما ابن حمدين رجع إلى حصنه يراقب الوضع، ثم عبر البحر ليلاقي عبد المؤمن بن علي طالبا منه المساعدة، ثم عاد إلى مالقة إلى أن توفي بها ـ 3ـ الثورة في الشرق: لم تكن الجهة الـشرقية في الأندلـس بمنأى عـمّا يجري في بقية أنـحاء الأندلس من ثورات؛ فقد حذت المـدن الشـرقية حذو غرنـاطة، وقرطبة، واشبيلية، وكانـت على رأسها بلنسية ، ومرسية، حيث اندلعت الثورات ضد المرابطين، قادها مجموعة من القضاة. كان على رأس ولاية بلنسية عبد الله بن غائية وقاضيها مروان بن عبد العزي وكان بينهما نوع من الخلاف، وجفاء العلاقة بسبب تصادم المصالح بينهما؛ ونظرا للصعوبات والظروف التي كانت تمر بها الأندلس اتفقا على نبذ الخلافات، والعمل على تذكير الناس بفضل المرابطين في صد هجمات النصارى، غير أنه وصلت إلى عبد الله بن غائية شائعات، مفادها أن ابن عبد العزيز يحرض الناس ضد المرابطين فاضطر ابن غائية إلى أخذ عياله وأثقاله إلى شاطبة في 18 رمضان 539ه (اكتوبر1140م)، ونظرا لتوتر النفوس والمشاورات التي كانت قائمة، اتفق الناس على أحد اللمتونيين ليكون واليا على بلنسية. لم يرض ابن عبد العزيز على هذا الاختيار، وهو الطامح إلى السلطة فبدأ يشدد حملته على الوالي الجديد، فأراد الوالي القبض عليه لكنه لم ينجح، مما جعل الخوف يدبُّ في نفوس المرابطين ففرُّوا إلى شاطبة وبذلك ترأس ابن عبد العزيز بلنسية وتمت له البيعة في شوال 539ه (مارس1145م)، وجعل عبد الله بن عياض واليا على الثغر، وطلب المساعدة من قاضي مرسية ابن جعفر لمهاجمة عبد الله بن غائية، وقبل الوصول إليه اتجه هذا الأخير إلى ألمرية، ومنها إلى جزيرة ميورقة ليلحق بأبيه الوالي عليها، فاستولى ابن عبد العزيز على شاطبة و ما حولها، غير أنه لم يكن قَدْرَ المسؤولية فقد واجه تمرُّد الجند عليه بسبب عجزه عن جباية الأموال لدفع مرتباتهم؛ راسل الجند ابن عياض بمرسية و طلبوا منه تولي بلنسية، أما ابن عبد العزيز فقد نجح في الفرار وتعرض أنصاره للمطارد. أما في بلنسية فقد نشبت فيها الثورة هي الأخرى، وكان قد ترأسها أحد المريدين لأيام قليلة ثم اختار أهل مرسية الفقيه القاضي ابن جعفر محمد ابن أبي جعفر، الذي كان في البداية يدعو لابن حمدين، ولما حقق بعض الانتصارات على المرابطين دعى لنفسه وتسمى بالناصر لدين الل وشارك كما ذكرنا آنفا مع ابن عبد العزيز في معركة شاطبة طمعا فيها إلا أن ابن عبد العزيز استولى عليها؛ لقي ابن جعفر مصرعه في معركة في غرناطة أثناء تقديمه المساعدة لهم في ثورتهم وذلك في ربيع الأول 540ه(1145م تولى ابن الطاهر مرسية في جو مضطرب ومشحون مليء بالدسائس فلم يدم حكمه إلا أيام قليلة وأتى أهل مرسية ابن عياض (قائد جند الثغر) للقدوم إليهم ليترأسهم في جمادى الأولى 540ه(أكتوبر 1145م) ثم دعاه أهل بلنسية كما ذكرنا سابقا بعد فرار ابن عبد العزيز، فأصبح ابن عياض أمير على الشرق كله وكان يدعو إلى هود (سيف الدولة) إلى أن توفي هذا الأخير فدعى لنفسه حتى وفاته فخلفه محمد بن سعيد بن مردنيش الذي وقف في وجه الموحدين عند عبورهم الأندلس فلم يكن مثل الثائرين في الغرب والوسط الذين سارعوا إلى الموحدين بالعبور يلتمسون العون فاستمر يسيطر على الشرق الأندلسي حتى توفي سنة567ه (1171 من خلال كل ما سبق ان الاحداث المتسارعة، والثورات القائمة على الدولة المرابطية لم تقوى على ردع المنتفضين ضدها فمن الثورات في المغرب إلى الثورات في الأندلس ، جعلها تبقى عاجزة على الوقوف في وجهها. فبعد انهيار سلطانها في المغرب أمام الموحدين، تبعهم الموحدون في الأندلس، واستـولوا على المدن الأندلسـية التي كانت في أيديـهم، وفي سنة 543هـ( 1148م) وبعد استيلاء الموحدين على كثير من البلاد الأندلسية، وصلته البيعة من اهل الاندلس، والها كانت من اشبيلية يتقدمهم القاضي ابن العربي إلى بلاد المغرب، وبايعوا عبد المؤمن بن علي، ، وإن مبايعةهم لعبد المؤمن بن علي قد تُعطي إشارة إلى أن عبد المؤمن بن علي لم يكن يعتقد أو يدعو إلى أفكار ضالَّة كما في الدعوة إلى العصمة أو المهديَّة، أو غيرها مما كان يَدِينُ به محمد بن تومرت وبعضٌ من أتباعه. قَبِلَ عبد المؤمن بن علي الدعوة من القاضي ابن العربي، وجَهَّزَ جيوشه، وانطلق إلى بلاد الأندلس، وهناك بدأ يحارب القوَّات الصليبية، حتى ضمَّ معظم بلاد الأندلس الإسلامية، التي كانت في أملاك المرابطين إلى دولة الموحدين، وكان ممن قاتله هناك بعض أنصار دولة المرابطين، إلا أنه قاتلهم وانتصر عليهم وذلك في سنة 545هـ (1150م).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق