الخميس، 16 مايو 2013

الدولة المرايطية بقلم الاستاذ كروم عيسى

شهد النصف الثاني من القرن الخامس هجري ، ميلاد الدولة المرابطية، في بلاد المغرب أو دولة الملثمين كما يحلو للبعض تسميتها ، والتي اعتبرت من بين أعظم الدول التي ظهرت في المنطقة رغم قصر عمرها(449 ه – 541ه) / (1057 م- 1146م) وتنتمي الدولة المرابطية إلى قبيلة لمتونة، وهي إحدى أهم فروع صنهاجة، نشأت على يد إحدى الحركات الدينية التي لم تكن لها مطامع سياسية في بداية الأمر؛ فالحركة كانت عبارة عن تجمع داخل رباط ، و تكُوين هذا الرباط يعود إلى عبد الله بن ياسين الجزولي، الذي انتدبه أحد مشايخ المذهب المالكي ليُعلم قوم يحي ين إبراهيم ألجدالي زعيم قبيلة جدالة، بطلب من هذا الأخير. من أجل أن ُيعلم الناس اتخذ عبد الله بن ياسين موضعا؛ فقصده الناس، وازدادوا عن الألف طالب في بضع أشهر، وبزيادة عدد الطلاب ، ولما رآه من بُعد عن العقيدة الإسلامية والانحرافات في المغرب انتقل عبد الله بن ياسين إلى دعوة القبائل المجاورة بالحسنى، إذ كان يبعث بعثات الطلاب إليها تدعو إلى إتباع دين الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فلم يجد ذلك نفعا فانتقل إلى قتالهم . بدأ بقبيلة جدالة وخاض معهم معارك شرسة ، ثم سار بالمجاهدين إلى قبيلة لمتونه، فانتصر عليهم، ودخل الجميع تحت طاعته، ثم سارت حذوها بقية القبائل الصنهاجية ، وازداد قوة فاشترى السلاح والخيول، وراح يغزو القبائل حتى ملك جميـع بلاد الصحراء، يقول صاحب الاستقصا"...فاشتهر أمره في جميع بلاد الصحراء وما وَلَاهَا من بلاد السودان وبلاد القبلة وبلاد المصامدة وسائر أقطار المغرب...". ولما توفي يحي بن إبراهيم الجدالي، اختار عبد الله بن ياسين مكانه الأمير يحي ابن عمر اللمتوني يقوم بأمر المرابطين في حربهم وجهادهم وقد اختاره من لمتونة، من بين قبائل صنهاجة لما رأى فيها من بأس وطاعة وصلاحا، وكان يحي بن عمر شديد الانقياد لعبد الله بن ياسين. وفي سنة 447ه (1055م) كتب وجهاء و فقهاء سجلماسة إلى عبد الله بن ياسين رغبتهم في المجيء إليهم؛ ليخلصهم من الجور والتعسف والمنكرات، لأن أخبار المرابطين انتشرت على أنها حركة إصلاحية . خرجت جموع المرابطين في شهر صفر إلى درعة وسلجماسة ،فتصدى لهم أمير مغراوة، وانتهت المعركة بقتله، وتنصيب عمال تابعين للمرابطين لكن بعد عودة المرابـطين إلى الصحراء، اندلعت ثورة لاستعادة المدينة من القوة المرابطية فعاد الأمير يحي بن عمر إلى سجلماسة فقتل في المعركة. خلف الأمير أبو يكر بن عمر أخاه يحي بن عمر عام448 ه(1056م)وكان له دور كبير في تدعيم ركائز الدولة المرابطية، فقد ازداد حجم قوة المرابطـين فتأهب أبو بكر لغزو السوس، وفي هذه الحملة اختار أبو بكر بن عمر ابن عمه يوسف بن تاشفين ليتولى قيادة الجيش، وقد كان في السابق لا يَرْقَ إلى قائد جناح، فأظهر كفاءة في القيادة والقتال، فسقطت بلاد جزولة ،وماسة ،وتارودانت عاصمة السوس. رحل عبد الله بن ياسين إلى بلاد المصامدة ففتح بها مناطق واسعة ووفدت إليه عدة قبائل للمبايعة، ثم توجه إلى أغمات التي كان يحكمها لقوط فحاصرها ما جعل لقوط يهجرها ليلا نحو بني يفرن،فدخلها المرابطون سنة 449 ه(1057م)، وبقي فيها شهرين ثم توجه إلى تادلا،حيث قبائل بني يفرن؛ فقضى على لقوط وكانت له امرأة تدعى زينب النفزاوية، قال عنها ابن خلدون :"…وكانت من إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة…" تزوجها أبو بكر بن عمر . اتجه أبو بكر بن عمر صوب تامسنا حيث كان ينزل بها البرغواطين فنشبت بين الطرفين معارك شديدة أصيب خلالها عبد الله بن ياسين بجروح بالغة أدت إلى وفاته، فجمع أبو بكر الزعامة الدينية والسياسية، بعد أن اتفق المرابطون على ذلك. واصل أبو بكر جهاده ضد البرغواطين حتى إستأصلهم وفرق جموعهم وعاد إلى أغمات التي اتخذها قاعدته العسكرية، ثم فتح أراضي زناته ، ومكناسة ثم لواتة. ولما توسعت الدولة اختار لها موضع لبناء حاضرة جديدة وهي مراكش. وفي هذه الفترة ظهرت بعض الحوادث كادت أن تعصف بدولة المرابطين وهي اختلاف جدالة ولمتونة في الجنوب،وكذا تحرك السودانيين ضدهم، رأى أبو بكر بن عمر أن حل هذه المشكلة هو أن يقسم جيش المرابطين إلى قسمين، فخص نفسه بقسم توجه به نحو الصحراء؛ للقضاء على الفتنة، وقسم خص به ابن عمه يوسف بن تاشفين في الشمال . وقبل أن يتوجه أبو بكر بن عمر إلى الصحراء،طلق زوجته زينب النفزاوية، ليتزوجها ابن عمها حيث قال لها :"واني مطلقك فإذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين فهو خليفتي على بلاد المغربً. خلف يوسف بن تاشفين أبو بكر بن عمر، فواصل الفتح، ودخلت سائـر القبائل في طاعته، وقضى على جميع الفتن التي كانت تنشب بين الحين والآخر، وفي يضع أشهر تمكن يوسف من إخضاع سائر المغرب الأوسط؛ حتى وصل إلى يجاية التي كانت تحت حكم الحماديين. لم يكن يوسف بن تاشفين قائدا عسكريا فحسب بل سياسيا بارعا؛ فقد كان يولي عماله على المدن من المقربين منه، وأصحاب الشخصيات القوية؛ كي لا يثوروا ضده، فقد ولى سير بن أبي بكرعلى مكناسة، وعمر بن سليمان على فاس واحوازها، وداود بن عائشة على سجلماسة، وابنه تميم على أغمات ومراكش وبلاد السوس، وهؤلاء كلهم من أقاربه. وقسم البلاد إلى مناطق إدارية ، وكون أسطولا بحريا. أما أبو بكر بن عمر عاد من الصحراء في سنة 465ه (1072م) ، بعد أن أصلح شأن الجنوب فوجـد ابن عمه يستقبـله أحسن استقبال، ولما رأى ما رأى من العظمة والجاه وقوة الجيش لدى يوسف أدرك أنه لن يتنازل له عن الملك، فقال له:" إني وليتك هذا الأمر وإني مسؤول عنه فإتق الله تعالى في المسلمين واعتقني واعتق نفسك من النار...". وما إن حلت سنة 467 ه (1083م) حتى كان يوسف قد أحكم قبضته على المغرب الأقصى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق